عجيب أمر هذا الإنسان ، فحين يكون صحيحاً معافى يتعالى على الله عز وجل ، وينسى حقيقة نفسه ، حتى إذا ما مسه الضر لجأ إلى الله تعالى ، وأخلص له الدعاء ، ثم الناس بعد ذلك فريقان ، إما شاكراً وإما كفوراً .
تقول هذه التائبة :
أنا فتاة قبائلية ، أعيش أنا وأسرتي في العاصمة .. لم نكن نعرف من الإسلام شيئاً ، لا صلاة ، ولا غيرها من العبادات .. كل أفراد أسرتي في ضلال وانحراف وضياع .. كنا نعيش حياة على النمط الغربي ، لا نعرف عن الأعراف والتقاليد والمبادئ العربية ، حتى إن لغة الحديث والتخاطب فيما بيننا يتم باللغة الفرنسية ، في جو يخلو من أي علاقة بالله ..
وفي يوم من الأيام ذهبت إلى المستشفى لتحليل الدم ، فلما عدت في المساء لأخذ النتيجة نودي على اسمي ، فإذا برئيس المصلحة المخبرية يهمس في أذني قائلاً ، يؤسفني أن أقول لكِ أنك مصابة بداء ( السيدا )) (2) .
نزل علي هذا الخبر كالصاعقة ، وكدت أن أصاب بالإغماء ، وطلبت من رئيس المصلحة أن يبقي هذا الأمر سراً بيننا ، ثم طلب مني رقم الهاتف لاستدعائي عند الحاجة ، وإجراء الفحوصات اللازمة ..
وعدت إلى المنزل وأنا لا أتمالك نفسي من البكاء ، ولم أنم تلك الليلة من شدة الخوف ، فقد استلقيت على فراشي وأنا لا أدري ماذا أصنع .. كنت في حالة من الهلع والفزع وأنا أتخيل ملك الموت وهو يحث خطاه إلي ، إنه أمر لم أحسب له حساباً من قبل .. تذكّرت حياتي وأيّاماً بارزت الله فيها بالعصيان ، غافلة عن حقيقة كبرى اسمها الموت .. وفي تلك اللحظة تبت إلى الله عز وجل ، وعاهدته على الاستقامة ، وبكيت كثيراً ، فها هو ملَك الموت يقترب منّي ، فماذا أنتظر ؟
__________
(1) - كتبتها لي إحدى الأخوات رواية عن صاحبه القصّة نفسها .
(2) - (( السيدا )) مرض خبيث شبيه بالأيدز .