ومرت السنة الأولى وأنا على هذه الحال ، حتى تغير كل شيء في حياتي ، من شرود للذهن ، وإهمال للصلاة ، وقلّة لذكر الله، وضعف في المستوى الدراسي ، والمصيبة الأخرى ، وهي ممارسة بعض العادات السيّئة المحرّمة كلّ يوم تقريباً ، فلّما جاءت العطلة الصيفيّة ، ازدادت حالتي سوءاً بعد سوء ، فكنت شديد النرفزة والعدوانيّة تجاه أهلي وأصحابي ، ثمّ وقع في يدي كتاب بعنوان : ( ففرّوا إلى الله )) لأبي ذرّ القلموني ، وكان قد تحدّث فيه عن العشق ودوائه ، وبعد مطالعتي له دعوت الله أن يرينيها في المنام ، غير أنّي لم أر شيئاً في تلك الليلة ، ومرّت الأيام ، ونسيت أمر ذلك الدعاء المزعوم ، حتى جاءت ليلة من الليالي ، فرأيت فيما يرى النائم أنني في يوم حارّ جدّاً ، وقد توسّطت الشمس كبد السماء ، وهذا الفتاة قد وقفت وحيدة أمام باب المدرسة ، وأنا واقف أمامها من مسافة بعيدة ، فأشارت إلى بيدها أن تعال ! وكانت تخفي خلف ظهرها شيئاً ، فاشتعلت في نفسي شرارة شيطانية ، وانطلقت إليها كالكلب المسعور ، وحين وقفت أمامها أخرجت يدها من وراء ظهرها وهي تحمل رسالة وقلماً جميلاً ، فقالت : (( خذهما وانصرف )) .. فحوّلت وجهي عنها إلى ناحية أخرى ، فإذا بشجرة خضراء باسقة الأغصان ، فهرولت إليها وأنا في غاية السرور والفرح بما تحمله يدي ، فجلست في ظلّ الشجرة أتصفّح الرسالة ، فإذا مكتوب فيها : (( اتق الله يا عبد الله ، واتركني في حالي ، إنّي أتعذّب ، اتّق الله .. )) ففهمت مضمون الرسالة ، فهو لا يحتاج إلى تأويل ، فكان ذلك سبباً – ولله الحمد – في توبتي وتجديد إيماني ، وتثبيتي على الحق ، والله على ما أقول شهيد . . وأما حال تلك الفتاة المؤمنة ، فالله أعلم به .. *** توبة فتاة صوفية (1) . __________ (1) - كتبها لي بنفسها من إحدى الدول العربية .