توبة قبوري (2)
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن أعظم مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله فتنته؛ ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفنتة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم واتخذتْ أوثاناً، وبُنيت عليها الهياكل والأنصاب...) إلى أن قال: (فلو رأيتَ غلاة المتخذين لها عيداً؛ وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبّلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعتْ أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يُبدي ولا يُعيد، ونادوا.. ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر فوق أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر رُكّعاً سُجّداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً، وقد ملئوا أكفّهم خيبة وخسراناً، فلغير الله بل للشيطان ما يُراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويُطلب من الميت الحاجات، ويُسأل من تفيرج الكُربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يُفعل به وفدُ بيت الله الحرام؟ ثم عفّروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تُغفَّر مثل بين يديه في السجود، ثم قرّبوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين..).
__________
(1) يراجع في موضوع الصوفية كتاب (الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة) لبعد الرحمن عبد الخالق.
(2) حدثني بها بنفسه..