فأشرت على المأمور أن يرسل المرأة إلى منزل أبيها ففعل، وأمر بصاحبها إلى السجن، ثم حملنا الفتى في مركبة إلى منزله ودعونا الطبيب فقرر أنه مصاب بحمى دماغية شديدة، ولبث ساهراً بجانبه بقية الليل يعالجه حتى دنا الصباح فانصرف الطبيب على أن يعود متى دعوناه، وعهد إلىّ بأمره فلبثت بجانبه أرثي لحاله وأنتظر قضاء الله فيه حتى رأيته يتحرك في مضجعه ثم فتح عينيه فرآني فلبِثَ شاخصاً إلىّ هنيهة كأنما يحاول أن يقول لي شيئاً فلا يستطيع فدنوت منه وقلت هل من حاجة يا صديقي؟ فأجاب بصوت ضعيف خافت: حاجتي أن لا يدخل عليّ من الناس أحد، قلت: لن يدخل عليك إلا من تريد، فأطرق هنيهة ثم رفع رأسه فإذا عيناه مبتلتان بالدموع، فقلت: ما بكاؤك يا صديقي؟ قال: لا شيء سوى أن أقول لها أني عفوت عنها، قلت: إنها في بيت أبيها، فقال: وارحمناه لها ولأبيها ولجميع قومها فقد كانوا قبل أن يتصلوا بي شرفاء أمجاد فألبستهم منذ عرفوني ثوباً من العار لا تبلوه الأيام.
من لي بمن يبلغهم جميعاً أنني رجل مريض مشرف وأنني أخشى لقاء الله إذا لقيته بدمائهم وأنني أضرع إليهم أن يصفحوا عني ويغتفروا ذنبي فيغفر لي الله لغفرانه، قبل أن يسبق إلىّ أجلي.
لقد كنت أقسمت لأبيها يوم أهتديتها (1) أن أصون عرضها صيانتي لحياتي، وأن أمنعها مما أمنع منه نفسي، فحنثتُ في يميني فهل يغفر لي ذنبي فيغفر لي الله بغفرانه.
__________
(1) اهتدى الرجل امرأته؛ جمعها إليها وضمها.