وقال صاحب الفلك الدائر على المثل السائر: الذي ذكره غير صحيح لا إن كانت الضلالة مصدراً ولا إن كانت المرة الواحدة، أما الأول فلأنهما لما دلا على المصدر لم تكن دلالة أحدهما أبلغ من الآخر، لأن المصدر يدل على الماهية فقط فإذا نفى نفيت الماهية، وأما الثاني فلا يصح أيضاً، لأنه لو قال القائل: ما عندي تمرة، يعني ما عندي تمرة واحدة وعندي تمر كثير يصح، لأنه لو أظهر ما أضمر فقال ليس عندي تمرة واحدة بل تمرات لم يكن مناقضاً، وقول نوح صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) بمعنى ضلالة واحدة لم يكن نافياً لكونه ضلالاً، لأنه إذا كانت الضلالات مختلفة الأنواع لم يفده قوله لجواز أن لا تكون ضلالة واحدة بل ضلالات مختلفة متنوعة، ومن وجدت عنده ضلالات كثيرة فقد صدق عليه أنه انتفت عنه ضلالة واحدة.
وقال صاحب التقريب: في قول صاحب الكشاف نظر، لأنَّ الضلال إما أن يراد الكثرة أو الجنس، فعلى الأول لا نسلم أنَّ الواحد أخص بل الصحيح العكس، لأنه كلما وجدت الكثرة وجد الواحد، ولا ينعكس، فالواحد أعم ويتم الجواب، إذ يلزم من نفي العام نفي الخاص من غير عكس، فكان نفيها أبلغ، أي: ليس بي شيء من الضلال، وعلى الثاني يصح أن الضلالة أخص ولكن لا يتم الجواب، إذ لا يلزم من نفي الخاص نفي العام، ولما تضمن كونه رسولاً مع كونه مهتدياً صح الاستدلال به عن انتفاء الضلالة.
وقال الطَّيبي: العجب من هؤلاء الفضلاء كيف يتكلمون بما لا جدوى منه، وطولوا من غير نظر إلى المقام، فإن الزمخشري إنما يتكلم بمقتضى الحال ومطابقة الجواب للسؤال، ولا يعتبر مفردات اللفظ، وبيانه أن القوم لما أثبتوا له نوعاً من الضلال وهو كونه ضلالاً مبيناً لا مطلق الضلال كما توهموه، يدل عليه قوله السابق: وصفوه بالضلال المبين والظاهر شأنه لا ضلال بعده، والجواب إنما يطابق إذا كان أبلغ منه، فإذا لم تحمل الضلالة على ما قدره فمن أين تفيده الأبلغية، ولو لم ترد المبالغة لكان مقتضى الظاهر أن يقال في جواب (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ): ليس بي ضلال، فلما أثبتوا النوع نفى الواحدة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام نفى الجنس لتنتفي الماهية، فيحصل المقصود؟ قلت: إذاً يفوت مقتضى العدول من لفظ الضلال إلى الضلالة وإرادة النزرة منها لأن نفي الشيء مع الصفة في مقام نفيه أبلغ من نفيه وحده، ولأن نفي